السلام عليكم ورحمة الله. أخي، أنا في حالةٍ نفسيَّة جدُّ سيِّئة، حكايتي أنَّني تزوَّجت وأنا عندي 25 سنة، دامَ زواجي عام لأنَّ زوجي - رحمه الله وجعَلَه في الجنَّة إنْ شاء الله - تُوُفِّي وترَك لي طفلاً، مرَّت عليَّ ليالٍ سوداء، خاصَّة أنَّ زوجي تُوُفِّي في يدي، وكنتُ أسكُن في مدينةٍ بعيدة عن أهله وأهلي.
يعني: لا أعرف أحدًا فيها، فجأة أجد نفسي معه وحدَه، وسكرات الموت تجتاحُه، عدم وعيي لما كان يحدث له قتَلَنِي، لم أفهم لأنَّنِي كنتُ صغيرةً ولا أعرف شيئًا، المهمُّ أنَّني دخلتُ في مَتاهات الأحزان، ولم أستَطِع الخروجَ منها مدَّة 6 سنوات.
في هذه المدَّة تقدَّم لخطبتي كثيرٌ من الرجال، لكنَّني رفضتُ بشدَّة، ولم أكن حتى أتحمَّل الكلام في موضوع الزواج، بقي شخصٌ واحد يخطبني مدَّة 6 سنوات، وفي رمضان الماضي لا أدري كيف وافقتُ؟ أُقسِمُ بالله العظيم لا أدري كيف قررتُ في أواخر رمضان أنْ أصلِّي صلاة الاستخارة؟
صليتُها ودعوتُ فيها الله - تعالى - بأنْ يبعث لي الخير في أيِّ شيء، وكان أوَّل يومٍ نهضت فيه منذ 6 سنوات، وكانتْ راحة في قلبي أحسستها حقًّا، بعدَها تَمَّ عقد القران، وتحدَّد الزفاف بعد رمضان لهذا العام، الآن أنا في حالة صِراعٍ نفسيٍّ كبيرٍ، أقول في نفسي: ربما سيندم غدًا؛ لأنَّه زواجه الأول ويُرِيد أنْ يتزوج بكرًا. في كثيرٍ من الأحيان لا نتَّفِق، وهدا يجعلني أقول: ربما أخطأت الاختيار، وفي نفسي أندم لأنَّني قبلت، وتجتاحني زَوْبَعَةٌ من الندم والحزن.
وأقول: ربما أكملتُ حياتي وحيدةً أحسن لي، أنا في ضَياعٍ شديد، أرجوكم أين أنا من كلِّ هذا؟ لا أجد مخرجًا فساعدوني، ساعدوني أعانَكم الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ما تُعانِينه من صِراع القَرار طبيعيٌّ، خاصَّة مع ظروفك التي مرَرتِ بها، فقَرار الزواج من القَرارات المصيريَّة التي لا يسهل علينا اتِّخاذه بثقةٍ دون أنْ نحسب كلَّ مرَّة مَدَى صواب قرارنا الذي سيربطنا بحياةٍ جديدة بعد ذلك.
لكنَّه معك كان أصعب من غيرك؛ بسبب حالتك النفسيَّة التي مرَرتِ بها بعدَ وفاة زوجك، ولربما عانَيتِ بعدَها من اضطراب ما بعد الصدمة أو اكتئابٍ حسب وصفك بأنَّك لم تعودي للحياة خلال هذه السنوات الست للتواصُل مع الواقع، لكن السؤال الذي شغَلنِي وأنا أقرَأ الاستشارة هو: هل عالجتِ نفسكِ من هذا الاكتِئاب؟ أم تركتِ نفسَك دون عِلاجٍ كلَّ هذه المدَّة؟
ترسُّبات الماضي تُؤَثِّر غالبًا على حاضرنا ومستقبلنا؛ لذلك من المهمِّ أنْ نُجِيد التعامُل معها، ونُغلِق الصفحات القديمة؛ حتى لا تعوق حياتنا المستقبليَّة. المهمُّ الآن أنْ تفكِّري بموضوعيَّة ثانية، بعيدًا عن المخاوف:
• عانَيتِ فترةً طويلةً عزلةً عن الواقع خرجتِ منها بعد ستِّ سنوات.. ولم تُوضِّحي كيف خرجتِ منها؟
• هذا الشخص بقي ينتَظِرك ستَّ سنوات؛ يعني: منذ وفاة زوجك تقريبًا.. وبعد هذه المدَّة استَخرتِ وارتحتِ للارتِباط به.
• مرَّ على ارتِباطك معه قُرابَة السنة الآن، واقتَرَب الوقت المحدَّد للزواج. • مشكلتك الآن حسب نظرك تتلخَّص في: خوفك من الارتباط به بسبب اختلافكما في كثيرٍ من الأحيان، وخوفك من أنْ يندم لأنَّك لست بكرًا.
عزيزتي:
تأمَّلي قليلاً بالنقاط أعلاه، ألا تَرَيْنَ معي أنَّ حدَث وفاة زوجك ترَك أثَرَه عليكِ إلى الآن؟ لا شكَّ أنها تجربة صعبة، لكنْ حاوِلِي أن تخرجي منها أكثر قوَّة وثقةً لا العكس، فقد قدَّر الله لكِ ذلك لحكمةٍ ولا شكَّ، واستَطعتِ أنْ تَثبُتي رغمَ كلِّ شيء؛ بدليل كتابتك لنا اليوم، وبحثك عن الطريق الصحيح، لكنَّك لا زلتِ بحاجة لأنْ تستَعِيدي نفسَك وتقوِّيها.
شخصٌ انتَظَرك ستَّ سنواتٍ هذا يعني أنَّه حريصٌ عليك، وهو الذي خطَبَك لستِ أنت مَن عرضَتْ نفسها.
فلماذا تَخافِين من ندَمِه من الزواج بك لكونك لستِ بكرًا؟ أليس هذا اختياره؟ إذًا اتركيه يتحمَّل نتيجةَ اختيارِه، ولا تُشعِريه بقلَّة ثقتك بنفسِك، على العكس قد تكون الحياة عركَتْك؛ ممَّا يجعَل منك الأنثى التي تُرضِيه، المهم أيقظي جوانبَ الأنثى بداخلك واستَفِيدي منها، وأهم سرٍّ بالأنوثة أن تَثِقِي بها لتظهر.
أمَّا عن خِلافاتكما، فعليكِ التفكير بها بموضوعيَّة ثانيةً، والبحث معه عن طريقةٍ للتعامُل معها، لا يُوجَد شخصان يتَّفِقان مائة بالمائة من البداية، لا بُدَّ من خِلافاتٍ واختِلافاتٍ حتى يَصِلا للتوافُق بعد ذلك، المهم أنْ يَسعَيَا له معًا، فهل تجدينه حريصًا على هذا التوافق؟ وهل أنت كذلك؟
أخشى أنْ يكون من أسباب خلافاتكما قلَّة ثقتِكِ بنفسك لكونك تزوَّجت قبلُ، وأيضًا بَقايا الاكتئاب التي من الواضح أنها تُسيطِر عليكِ إلى الآن وأنت بحاجةٍ للعلاج منها. أنصَحُك أنْ تبحثي عن ذاتك مُجَدَّدًا، وأنْ تَحرِصي على زيارة طبيبة نفسيَّة لتطمئنِّي أنَّك أنهيتِ مرحلة الاكتئاب..
قد تحتاجين لعلاجٍ دوائي لفترةٍ، لكن المهم أنْ تدعميه بإيمانك وحرصك على التفكير بطريقةٍ سليمة، وبالتالي التصرُّف بموضوعيَّة. ابدَئِي صفحةً جديدةً من حياتك بتَفاؤل، واملَئِيها بما تُحبِّينه من آمال، واصبِري، سيأتي اليوم - بإذن الله - الذي ترينَها به تتحقَّق، المهم أنْ تَسِيري بالطريق الصحيح، وتتوكَّلي على الله، ولا تَمَلِي الدعاءَ، ولا تتعجَّلي الإجابة. وفَّقكِ الله، وأسعَدَكِ، ويسَّر لكِ الخيرَ حيث كان. أ. أريج الطباع.
مصدر المقال: موقع الألوكة